السودان على حافة الانهيار.. أزمة إنسانية تهدد بتدمير كامل للبنية الاجتماعية والاقتصادية

السودان على حافة الانهيار.. أزمة إنسانية تهدد بتدمير كامل للبنية الاجتماعية والاقتصادية
أزمة إنسانية غير مسبوقة في السودان- أرشيف

يعانى أكثر من 30 مليون سوداني من انعدام الأمن الغذائي الحاد بعد اندلاع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023. 

وأدى النزاع إلى تدهور غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية، حيث أصبح الجوع يهدد حياة الملايين، بما في ذلك 4.9 مليون طفل على شفا الموت جوعًا، وارتفعت أعداد الأشخاص المعرضين للمجاعة بنسبة 48% في الأشهر الستة الماضية، ما يشير إلى تفاقم الأزمة.

وأدى النزاع إلى انهيار تام للقطاع الزراعي في السودان، الذي كان في السابق أحد أكبر منتجي الغذاء في المنطقة، وتوقفت المحاصيل الزراعية وتدهورت الحياة الاقتصادية في البلاد، حيث فقد الجنيه السوداني أكثر من 85% من قيمته. 

وارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق بنسبة 538% مقارنة بالسنوات السابقة، ما جعل أسعار الطعام الأساسية بعيدة عن قدرة المواطن العادي على تحملها.

تأثير الأزمة على النظام الصحي

أدى النزاع إلى تعطيل 90% من المرافق الصحية في مناطق النزاع، ما تسبب في نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وتواجه البلاد أكبر أزمة صحية إنسانية، حيث قدرّت بعض التقارير وفاة أكثر من 11 ألف طفل في عام 2023 نتيجة لأمراض يمكن الوقاية منها بسهولة.

وتجاوز النزاع حدود السودان، حيث نزح أكثر من 11 مليون سوداني داخل البلاد، ما يجعل السودان يشهد أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، كما هاجر أكثر من 2.5 مليون سوداني إلى الدول المجاورة، مثل تشاد وجنوب السودان، ما يزيد من الضغوط الاقتصادية والأمنية على هذه الدول.

ولم يتم تمويل سوى 32% من خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2024، في وقت كانت تحتاج فيه البلاد إلى 2.7 مليار دولار… هذا النقص الكبير في التمويل حد من قدرة المنظمات الإنسانية على تقديم المساعدات اللازمة، ما يعرض الأرواح لمزيد من الخطر، كما تسببت القيود الأمنية في منع وصول المساعدات للمناطق الأكثر تضررًا، حيث أُوقِفت أكثر من 60% من المناطق المتأثرة بالنزاع عن الوصول إليها.

ونظراً للأوضاع الراهنة في السودان، تبقى المخاطر على الحياة الإنسانية في السودان كبيرة، سواء من خلال الجوع أو الأمراض أو استمرار النزاع، وفي ظل هذه الظروف، يبقى المجتمع الدولي أمام اختبار جاد حول استجابته للأزمة وكيفية التعامل مع الوضع المتدهور بسرعة.

مطالب دولية عاجلة

تحدث الأكاديمي وعضو القوى السياسية والمجتمعية السودانية، نبيل أديب، عن الأبعاد المعقدة للأزمة الإنسانية التي يعاني منها السودان، والتي تم تصنيفها ضمن أسوأ الأزمات الإنسانية عالميًا، حيث قال إن الأزمات الإنسانية في السودان تفاقمت بسبب عدة عوامل محورية، أبرزها الدور السلبي الذي تلعبه المنظمات الدولية التي لم تتخذ القرارات الجريئة اللازمة لفتح ممرات آمنة لإيصال الإغاثة للمناطق المنكوبة، مشيرا إلى أن هذه المنظمات تتغاضى عن التهديدات التي يفرضها الدعم السريع من خلال قطع الطرق الرئيسة التي تستخدمها المنظمات الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية.

وأضاف أديب، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن هذا التجاهل من قبل المجتمع الدولي، لا سيما الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى، أسهم بشكل كبير في تدهور الوضع الميداني والإنساني في العديد من المناطق المتضررة من القتال، مشيرًا إلى أن عدم قدرة المجتمع الدولي على إقرار ممرات إنسانية آمنة جعل من المستحيل توفير الإغاثة الأساسية للسودانيين في المناطق الأكثر تضررًا.

وأكد أديب أن النقص في التمويل يفاقم الأزمة بشكل كبير، قائلا: “يجب أن يكون من الواضح أن التمويل الذي يتم توفيره لا يلبي احتياجات الشعب السوداني، ما يزيد من تفاقم معاناتهم، فغالبية مناطق السودان لا تتلقى الدعم اللازم من الجهات المعنية”. 

وأضاف أن استمرار القتال في بعض المناطق أسهم بشكل مباشر في تدمير البنية التحتية للدولة السودانية، وخاصة في القطاعين الصحي والاجتماعي، إذ عمدت قوات الدعم السريع إلى تدمير المؤسسات الحكومية التي كانت تقدم خدمات أساسية للمواطنين، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق.

ولم يتوقف أديب عند هذا الحد، بل شدد على أن قوات الدعم السريع، التي تسيطر على بعض المناطق، لا تقدم أي خدمات للمواطنين في تلك المناطق، بل على العكس، فإنها تشارك في نهب وتهديد المدنيين، مما يجعل الوضع أكثر سوءًا.

 وقال: “عندما تتعرض المؤسسات الحكومية للتدمير، فإن هذا يقوض قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، ويزيد من معاناة المدنيين”.

أما عن الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة في إيصال المساعدات، فقد كان أديب واضحًا في تصريحاته، حيث أكد أنه في ظل استمرار القتال، لا تلعب الأمم المتحدة أي دور يذكر في إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة. 

وأوضح أن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى لم تتمكن من توفير الدعم الكافي للمناطق المنكوبة بسبب التهديدات المستمرة، ما يزيد من عزلة المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

وفي ما يخص تأثير المجاعة وارتفاع الأسعار على الأسر السودانية في مناطق مثل دارفور وكردفان، أشار أديب إلى أن توقف الإنتاج في تلك المناطق بسبب القتال قد أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية والمواد الاستهلاكية بشكل عام. 

وقال: إن مناطق دارفور وكردفان تعاني من مجاعة شديدة بسبب الانقطاع التام للموارد الغذائية والمستلزمات اليومية، الأمر الذي دفع المواطنين في تلك المناطق إلى مواجهة خطر الموت جوعًا، مشيرا إلى أن الفشل في توفير الغذاء للمناطق التي تخضع لسيطرة الدعم السريع، مثل مدينة الفاشر، قد فاقم من معاناة المواطنين، الذين باتوا يعيشون في ظل حصار طويل يفرضه هذا الفصيل المسلح.

وأكد أديب أنه في ظل غياب وقف إطلاق النار وتوسع أعمال العنف، من الضروري أن تتخذ الأمم المتحدة قرارات حاسمة لفرض ممرات آمنة لمرور المساعدات الإنسانية. 

وأوضح أنه يجب على الهيئات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة والهلال الأحمر توفير المساعدات عبر هذه الممرات الآمنة لضمان وصول الإغاثة للمتضررين، مضيفا: “على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في حماية المدنيين، وهذا يتطلب تحركًا عاجلًا لفرض آليات عملية توفر الأمن للمساعدات الإنسانية”.

ودعا أديب إلى ضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة من قبل المجتمع الدولي، وخصوصًا الأمم المتحدة، للضغط على جميع الأطراف المتنازعة لوقف القتال وإنشاء ممرات آمنة تُتيح إيصال المساعدات الإنسانية، مشددا على أن الوقت قد حان لتفعيل الأطر القانونية الدولية لحماية المدنيين وضمان عدم تكرار السيناريوهات الكارثية التي يتعرض لها السودان اليوم.

حتمية التدخل الأممي

أكد المحامي المتخصص في العلاقات الدولية، حاتم إلياس، أن التصنيف الدولي للأزمة الإنسانية في السودان يُظهر خطورة الوضع المتفاقم، مضيفا: "الأمم المتحدة تعتمد على مقاييس علمية دقيقة لتقييم المخاطر الإنسانية، مثل التقارير التي تلخص الاحتياجات الإنسانية العالمية الذي تستخدمه وحدة التنسيق الإنسانية للأمم المتحدة (أوتشا) بناءً على هذه المعايير، تم تصنيف السودان من بين الدول الأكثر عرضة لأزمة إنسانية حادة في العالم".

وقال إلياس، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إن هذه التقارير تشير إلى أن الأزمة الإنسانية في السودان تتفاقم بشكل ملحوظ، وهو ما يشمل حتى المناطق التي ظلت بعيدة عن دائرة الصراع المباشر. 

ومع ذلك، تفتقر الاستجابة الدولية إلى التنسيق اللازم، مشيرا إلى أن الأزمة الإنسانية في السودان تتزامن مع ظروف دولية معقدة، حيث تشهد الساحة الدولية تحولات اقتصادية وسياسية مربكة، أبرزها الحرب الاقتصادية المعلنة بين القوى الكبرى على خلفية تداعيات القرارات الأمريكية في فترة إدارة الرئيس دونالد ترامب. 

ولفت إلى أن إعلان ترامب إيقاف المعونة الأمريكية "USA Aid" كان خطوة رمزية خطيرة، تعكس تراجع مفهوم العون الإنساني الدولي.

وأشار إلياس إلى أن العون الإنساني الدولي كان يشكل دعماً أساسياً للسودان في مواجهة أزماته، لكن مع تراجع حس التضامن الدولي يعاني الشعب السوداني من عزلة أكبر في مواجهة تحدياته، مضيفا: “الواقع يشير إلى أن الأزمات السياسية والاقتصادية على الساحة العالمية تعني أن السودان، في هذه اللحظة، قد لا يحصل على الدعم الكافي من الدول الكبرى. لذلك، على السودانيين أن يعتمدوا على محيطهم الإقليمي، وخاصة الدول العربية ودول الخليج، لتغطية فجوة التمويل الإنساني الملحة”.

وأكد أن الوضع الحالي في السودان يزداد سوءًا، ليس فقط في مناطق دارفور وكردفان، بل في جميع أنحاء البلاد، حيث يعاني الشعب من تصاعد العنف، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، والمجاعة.. وقال: “الاقتصاد السوداني في حالة انهيار تام، والناس يواجهون انعداماً كاملاً للموارد، حيث تعثرت سبل العيش والعمل، ما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية”.

وبخصوص الحلول المحتملة، شدد إلياس على أن التدخل الأممي العاجل وفرض وقف إطلاق النار يعتبران الحل الوحيد الممكن لوقف هذا النزيف الإنساني.. مضيفا: “في ظل تعنت الأطراف المتصارعة، خاصة الجيش السوداني، الذي لم يُظهر رغبة حقيقية في الوصول إلى تسوية دائمة، يبقى التدخل الدولي هو السبيل الوحيد لوقف التصعيد.. ومن المؤسف أن الدعم السريع لم يكن الطرف المعطل للمفاوضات، بل هو التعنت من جانب الجيش، الذي تتفاقم سيطرته بفعل الهيمنة العميقة للحركة الإسلامية عليه، هذا الأمر يؤكد أن الجيش السوداني أصبح جزءاً من التنظيم العسكري للحركة الإسلامية وجماعة البشير”.

وشدد إلياس على ضرورة أن يكون هناك موقف دولي موحد لإيقاف القتال في السودان وتقديم الدعم الإنساني العاجل، خاصة في ظل هذه الظروف المتدهورة، مؤكدًا أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى تدمير تام للبنية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية